الأحد، 26 أغسطس 2012

حد الاعتياد 
ننظر إلى ذلك الشىء فنشمئز ... ونكرهه ... وتتقلص وجوهنا فى استنكار ، ونسمع الأصوات المعترضة التى تقول : كيف يحدث ذلك ؟! ... ، هذا شىء غريب علينا ولا يمكن أن نوافق على ذلك الوضع السخيف ...
ثم يستمر ذلك الشىء فى وقاحة وجرأة ... ويساعده على ذلك بعض منحرفى المشاعر الذين لا يتذوقون أى شىء جميل ... فمشاعرهم مشوهة تجاه كل شىء .
وتمر السنوات حاملة معها الكثير من الاستمرار فى الوقاحة والتفنن فى

 تثبيتها ، ويتحول تدريجيا الاستياء إلى اعتياد .. ، والاعتياد يصبح جزءا من حياتنا ، ولكن فى مكان آخر فى عقولنا يحدث شىء أعمق من ذلك ... ، فعقلك من الداخل عندما يرى الأمر السىء واقع كحقيقة مستمرة كل يوم فإنه يقتنع بها رغما عنك ، وبالاعتياد يصبح حقيقة مسلم بها ومع الأيام تحدث الكارثة ... أن تكون أنت أيضا من مشوهى المشاعر الذين يدافعون عن الخطأ باستماتة ... !
هل عرفت عما أتكلم ... ؟
عن كل شىء سىء كان جديدا يوما ما فى حياتنا ... الأغنيات التى تحمل الأصوات المنكرة البشعة والكلمات الوقحة والألفاظ البذيئة والتى تجعل الإنسان السوى ينتفض من شدة الاشمئزاز ... ، الأفلام التى تحمل مشاهد قذرة مثل تعاطى المخدرات أو الايحاءات المفسدة ... ، مشاهد المجازر فى كل مكان حدث فيه الحرب فى العالم ، مشاهد العنف والدماء والتقطيع فى الأفلام الأجنبية ... ، الأصوات الفارغة العالية الكاذبة ... ، تبجح الناس على بعضها ... والكثير ... والكثير ...
كلها أشياء أى إنسان طبيعى يكرهها وينأى عنها بفطرته السليمة ، ولكن استمرارها مع عدم إزاحتنا لها من حياتنا أولا بأول جعلها تتراكم وتصبح شيئا عاديا ...
وحين تتحول العادة إلى إدمان ... ثم يتحول الإدمان إلى محبة وطلب مستمر لذلك الشىء السىء ... عندها تكون الطامة الكبرى ، فيصبح الراقى والجميل والرائع كلمات تطلق على كل ما هو سىء وقذر لتدهور الأذواق بل ومواتها ...
فيتلذذ الإنسان بسماع الأصوات المنكرة فى الأغانى الشعبية ويقول عنها أنها فن ... !
ولا يستطيع التعبير عن رأيه إلا بغضب ... وبأقذر الألفاظ ... ، ويحب مشاهد الدم والجثث بصفة عامة وليس فى الأفلام فقط ، فيصبح العنف جزءا من حياتنا ... نصرخ .. ونتوعد ونسب ونفسد ...
وإذا قلت كلمة طيبة يصفونك بالضعيف ... وإذا تبسمت فى وجه الناس يصفونك بالمهزار .. ، وإذا ركضت وراء حلمك يستخفون بك ...
هذا لأنك لم تنضم إلى الغالبية ... الذين قلبوا موازين كل جميل وراقى وجيد ولم يعد أحد منهم يستسيغ الموسيقى الراقية أو كلمات الشعر العفيف ...
والخيانة أصبحت شيئا واضحا خلال هذه السنوات ، وبمرور السنين أكثر أصبحت الأخلاق السليمة والاحترام والفن الراقى والحب الذى لا ينطوى على أغراض والأمانة والإخلاص أشياء غريبة ... ومضحكة عند البعض كأننا نحكى قصة ما قبل النوم ..
وكثير من الأصفياء أصبحت الدنيا بالنسبة إليهم عذابا كبيرا لأنهم أصبحوا غرباء لا يفهمهم أحد ولا يسيرون فى نفس منظومة الفساد ...
وما الحل ؟ ... الكل يشتكى ... وكأن الفساد لم يجىء على يديه ، سواء بسكوته أم عدم إصلاح نفسه على الأقل أو باشتراكه فى خلع الإنسان من عباءة الفطرة وتحويله إلى مسخ مشوه ..
ولكن يبقى دائما طريقا مختصرا يمكن من عنده الرجوع ، فبعد محبة الشىء السىء وهى النقطة التى تلى مرحلة الاعتياد ... يمكن أن نساعد أنفسنا على التذوق من جديد والاختيار السليم تنقية لآذاننا مما تسمع ولألسنتنا مما تقول ولقلوبنا قبلهما ، وتحسين ما نتخيله فى أذهاننا من سوء ظن وأفكار مدمرة للآخرين من كراهية وحسد ، لا تقول الدنيا كلها أصبحت كذلك ... لا ... أنت تقدر على تغييرها ... ، أو تستطيع تغيير نفسك على الأقل ..
فاطمة 


17/7/2012



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق