الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

الطابع 
هل نظرت طويلا إلى السماء يوما وقت الصباح أو الغروب ؟ ....
هل تأملت منظر النجوم والكواكب ؟ ....
أو وجه رجل جائع فقير ؟ .... أو عين محب ؟
كم نظرنا إلى أشياء مرت بنا فى حياتنا ولم ندر ما هى الرسالة التى يبعث بها الكون إلينا ، فكم مرة نظرنا فيها إلى السماء ... ولكن كم عدد الأشخاص الذين أدركوا أنها ترمز إلى الرفعة والصفاء أو أحيانا الغموض ...
وكم مرة رأينا فيها الجبال ولكننا لم ندرك أنها ترمز إلى الصمود والكبرياء ، وكم مرة نظرنا فيها إلى وجه جائع ولم نفكر وندرك أن وجهه يرمز إلى مجتمع لم يلتفت لحاجة جائع أو ضعيف أو هو رمز لحياة أخرى يعيشها أناس لا نعلم عن أوجاعهم شيئا ...
ونظرنا كثيرا إلى عين المحب واستهترنا بمشاعره واعتبرنا أنها مشاعر طفولية عاجزة عن تحقيق نفسها واقعيا .
كم نرى كثيرا ... وكم لا ندرك شيئا مما نراه ...
هناك رابط وطيد بيننا وبين كل شىء ، فحجرتك التى تنام فيها مثلا منذ سنوات ... فيها نفسك ورائحتك وانطبعت هيئة جسدك على فراشك ، وملابسك أضفت على شكلك جزءا من شخصيتك .
وشكل البحيرة الممتلئة بالتماسيح أصبح يحيطه هالة من الخوف حتى لو مررت بجانبها ولا تعرف أن هناك تمساحا يترقبك فى الخفاء ... !
والموضع الذى عاش فيه الأنبياء يوما فيه شىء طيب من نفوسهم الطاهرة ، والمكان الذى يتعذب فيه السجناء فيه أنفاسهم المتقطعة وشهقاتهم وآناتهم المعذبة حتى لو رأيت السجن بعد إخلائه ...
إنه الطابع والبصمة ... بصمة كل شىء على كل شىء ... ، تأثير شىء على آخر ... ، رسالة يهمس بها كل كائن إلى غيره ... ، عبارة عن تواصل نفسى بين الكائنات وبعضها وبين الأشياء والكائنات .
فكما أن زهرة ما إذا شممتها تذكرت حبيبتك المتوفاه ...
وموسيقى هادئة سمعتها يوما فأراحت ذهنك ...
إنها روحا جامعة توصل بيننا جميعا ، تجعل للحياة صلات ومسارات نعيش فيها ونهتدى بها ...
إنه التوافق بينك وبين الكون ، فكر معى ... لو أن هذه الرسائل غير موجودة ...
فدخلت كهفا مظلما وكان إحساسك معدوم لا تشعر بخوف أو قلق أو حتى بالوحشة ... ثم هاجمك خفاش أو ثعبان ....
أو أنك تعاملت مع إنسان فوجدت عينيه تنطقان بالشر والحقد ، ولم تشعر بقلق تجاهه ثم أوقعك فى مأزق ؟! ...
أو أنك رأيت فى عين ولدك شيئا يخفيه ولم تسارع بمحاولة حل مشاكله ثم تكتشف كارثة قد وقع فيها ...
يسمونها فراسة ... حاسة فطرنا عليها جميعا ، نشعر بما يخفى ... بما لا نراه أو ما ليس له دليل مادى ، بما تخفيه عيون الآخرين لتحذرنا أو تبشرنا بشىء ...
ولا أقول أن هذه الأحاسيس كافية ولكنها مهمة كثيرا فى التفاعل مع الكون من حولك ، إنها جزء من الذكاء ... حس راقى يساعدك على اتخاذ القرار ولا تأخذ بشكل الأشياء أو الناس من حولك فهى أعمق من ذلك .... ، إنها الإحساس الفطرى بالطبيعة والناس والكائنات .
ولكن سؤال بسيط وحله سيكون بين جوانب نفسك .... : هل أنت متصالح مع الكون لتفهمه أو تشعر به ... لتدرك ما يحدث فيه ؟ ، هل بينك وبينه رسائل لا يعلمها إلا الله ؟ ...
فما الذى يجعلك تحن إلى مكان اجتمعت فيه بأشخاص مميزون لديك ؟ ... ، وما الذى يجعلك ترتاح لمنظر الطبيعة الجميلة والتى ترسل إليك رسائل كثيرة قد تستقبلها أو لا ؟ ...
وهل تصالحك مع الكون أساسه تصالحك مع نفسك ؟ ... ، حتى رسائل نفسك إليك لا تريد أن تستقبلها ، لذلك فإن الإنسان المعاصر فى قلق واكتئاب وتوتر مستمر مما جعله معتل كثير الأمراض ، إنه لم يفهم رسائل الكون له ولا دخل من أبوابه وضغط نفسه فى بيت مغلق عليه ، على الرغم أن البيت يرمز إلى الأمان والفراش يرمز إلى الراحة والطعام يرمز إلى فضل الله .
كثير من الأشياء داخلنا تمنعنا من انفتاح روحنا على روح العالم ... ، ظلمة بداخلنا وغفلة نصنعها ونحيكها حولنا .
فالذى يكسر جذع شجرة مفصول عن الطبيعة ، والذى يحسد غيره مفصول عن الواقع وأن لكل إنسان مصائبه حتى لو كنت تراه غنيا ، والذى يظلم مفصول عن التاريخ والذى يثبت أن نهاية الظالم أسود من ظلمة ليل المظلوم .... ، وما الذى يفجر حربا فى بلد آمنة بأحسن حالا منهم ... مريض تفصله نفسه عن الشعور بسطوة الكون حوله وأنه ليس الأقوى بين الكائنات .
أمنيتى أن أذوب فى الطبيعة وأصبح جزءا منها ... أتلقى رسائلها وأفهمها ... ، تسرى فى عروقى الدماء التى تربط الكون ببعضه ، فأتألم إذا خدش نبات ، وأتأثر إذا مات حيوان ... ، وأصاحب نجمة عالية مضيئة لا أرى منها إلا ماضيها اللامع ...
آخذ فى نفسى هواء عميقا منعشا وأسمح للبحر أن يدخل وجدانى بصورته وصوته ، وأعتبر أن ظلام الليل هو محاولة منه لمؤازرتى فى أحزانى فيلبس السواد مثل قلبى ، وأفرح مع ندى الصبح لأنه بكى فرحا لظهور الفجر داخلى ...
فيا أيها الإنسان هل مصر على العيش فى دائرتك ، أم ستحاول الذوبان فى الطبيعة والكون لفهم رسائلهما ؟ ....
مدونتى الجانب الآخر
صفحتى الأصوات الخفية

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مقال اقل ما يقال عنه راقي
    احب ان اتامل السحب والنجوم واسمع صوت الرياح وتشدني العواصف لكن رغم ذلك لا ادري لماذا ربما حان الوقت لاباحث عن الجواب

    ردحذف