الثلاثاء، 10 يوليو 2012


تصرفات مجنونة
أحيانا أنسى نفسى ... بل أنسى كل شىء والمكان الذى أتواجد فيه وأغيب عن الواقع .... ، وأرى نفسى أفعل تصرفات مجنونة ...
هل جربت هذا الإحساس مثلى .... ؟ ، هل ستخجل أن تقول نعم ؟ ... ، أم أنك لا تعرف أى تصرفات أقصد ؟ ...
هل راودك إحساس غريب وملح أن تفتح النافذة بسرعة وتطير منها ... لا لتنتحر ولكن لتطير بالفعل ؟!! ....
أو شعرت أنك تريد المشى على يديك فى الشارع غير عابىء بأنظار المذهولين أو الضاحكين حولك ؟!! ....
هل تخليت نفسك تسبح فى مياه راكدة فى بحيرة وسط غابة استوائية ثم ظهر أمام عينيك فجأة تمساح ضخم ... فترى على وجهك أمارات الفزع ويتوقف قبك من الخوف ؟!! ...
هل رأيت نفسك أخف وزنا كثيرا وسبحت فى عالم من موسيقى حالمة رقيقة وتراقص جسدك على أنغامها العذبة ؟ ...
إنها أحاسيس باطنة تمر على عين الإنسان مرور الكرام ، قد يشعر بها ملحة وواضحة ... وقد يشعر بوجودها أو يتجاهلها عن قصد ...
إنها الطفل الجرىء الذى داخل كل إنسان منا ... ، يريد أن يلعب ويمرح ويطير راميا وراءه كل تفكير فى العواقب ، إنها كالنيران المشتعلة داخل الأرض وعليها القشرة الثابتة مبنى عليها القرى والمدن فى سكون عجيب ، ولكنها قشرة ضعيفة قد تظهر إذا لم تكبتها ...
ولكن ... لم تكبحها ؟ .... ، أهى وساوس شيطانية أم دعوى من نفسك لتتخلص من قيود اليوم الروتينية والعادات السخيفة المملة التى تحولك إلى آلة دوراة لا حياة فيها ...
فمن منا لم تدور بذهنه هذه الأفكار ؟ ....
سأبدأ بالاعتراف أنى تخيلت نفسى أنى أفتح باب الطائرة وأخرج منها لأطير وأمارس تلك الرياضة المخيفة التى يفعلها الآخرون فى البلاد الغربية ....
ورأيت نفسى أغلق المصباح وأجلس فى الظلام فإذا بى أرى جنيا يرعبنى منظره ولا أعرف ماذا سيحدث بعدها ...
إنها نفسى هى التى تتكلم فى كل تصرف من هذه التصرفات ... وتأمرنى أحيانا وتخضع أحيانا أخرى ... ، ولكنى لم أنفذ أى طلب منها فى أى مرة ، ولو أنى فعلت لكنت ميتة الآن أو كنت نزيلة فى مستشفى العقلاء !!
فلماذا تخجل من الاعتراف أنه أحيانا تسيطر عليك أفكارا لا يفصل بينك وبين حدوثها بالفعل إلا جدارا رفيعا واهيا تحاول تقويته بصبرك على رغبتك هذه ؟ ... ، ودعنا نفكر سويا ... إنها نفسك التى تأمرك فإذا أمرتك بالسوء وليس بأفعال طفولية كالتى أتحدث عنها ... ، وكان رد فعلك حينها أنك هدمت سطوتها عليك وملكت زمام نفسك ... أليس يعتبر ذلك عقلا وحكمة ؟ ... ، وإذا كنت فعلت ذلك مخافة ومرضاة الله ... أليس هذا إيمانا ؟ ... ، فما أعجب هذه الطرق التى تؤدى إلى بعضها البعض ؟ ....
وإذا حددت عنها قدر أنملة تحكمت فيك عواطفك وهواجسك ، ولأجل هذا وضع الله أمامنا المنهيات وترك لنفوسنا الاختيار ... أنخضع لنكن عبيدا لظلام نفوسنا أم نعلو عليها لنصبح أكثر نورا وإيمانا .... ؟
وإذا عدنا للتصرفات الطفولية المجنونة مقارنة بها ... ، ألم تتمنى يوما أن ترتد طفلا حتى تركب الدراجة مرة أخرى وتتخلص من مسئوليات قد اعتلت ظهرك بعدما أصبحت رجلا ؟
هذا هو الطفل فينا ... نتخيل أنه قد نضج بمرور السنين ولكنه مازال صامتا فى الظلام منتظرا موقفا قد يجعله يظهر إذا سمحت له .
وعلى الرغم من ذلك فإنى لا أفهم حتى الآن ما سيكون سر سعادتى إذا فتحت النافذة وقفزت منها ... ؟ ، أهو حب المخاطرة أم مواجهة الخوف ؟ ... ، أم أن الممنوع مرغوب ؟ ، فما يمنع الإنسان إلا عقله الذى يملى عليه أن الصواب دائما هو أن يفعل مثلما يفعل الناس ويتكلم مثلما يتكلم الناس ... ، بل إنه يأمره ليفكر مثلهم وكأنه مجرد نسخة مشابهة لا طابع فيها روح ولا لون .
لا ... ليس عقلك بل الدائرة المملة التى وضعت نفسك فيها هى التى تجبرك على ذلك ، فلتفعل ما تراه صحيحا دون أن تؤذى أحد ، ولتبدى رأيك ولا يهمك أن يقول أحد أنك مجنون لمجرد أنه لا يفهمك ... فخير لك أن تكون مجنونا فى أعينهم من أن تصبح نسخة مكررة .
وليتسع صدرك إلى كل الأفكار حتى الغريب منها والأشياء التى لا يستطيع عقلك تخيلها واستيعابها للوهلة الأولى ، فمعظم العالم المتطور والأجهزة الحديثة التى حولك بدأت بفكرة مجنونة لم يستطع الناس تخيلها فى البداية ، وهذا هو فضل الطفل بداخلنا ... ، إنه يشطح بعيدا شطحات واسعة من الخيال ... يتعجب ولا يعتاد أبدا ... ، يحاول التفكير ويتساءل ... ويبحث ثم يفسر فيخطىء وأحيانا يستمر فى المحاولة فيصيب ، فلولاه ما كان هناك شعراء ولا أدباء ولا علماء ولا مخترعين أفادونا بعلمهم وأفكارهم التى كانت فى منتهى الغرابة فى بدايتها .
ولا تحتقر المجنون الفاقد لعقله ... فإذا تأملت نفسك جيدا ستجد أن الفارق بينكما شعرة رفيعة لا تستطيع الإمساك بها أو حتى تحديدها ...
هل فهمت ما أريد قوله ؟ ... ، هل ستخرج نفسك من القالب المزيف الذى وضعه عليك تكرار المواقف وعادات الحياة ؟ ... ، هل ستخاطر وتواجه الخوف وتكبح الخطأ داخلك وتعطى للصواب مساحة حتى لو اعترض عليه غيرك ولم يفهمه ؟
هل ستفتح النافذة وستطير منها أم ستقلب الصفحة وتقرأ مقالا آخر ؟ ....
4\ 2012





يتبع



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق